كيف نفهم الحرية ؟

by - الثلاثاء, مايو 03, 2016

أسعد الله مساءكم بكل خير ..
الحديث عن الحرية حديث ذو شجون مثل مايقولون ومتشعب جدا في تفاصيله.. خصوصا مع التغيرات الكبيرة المقدمين عليها بعد إعلان #رؤية_المملكة_2030 .. والكل صار يؤول الحال وينشر الإشاعات.. الكل يطلب الحرية والكل متخوف من الحرية..

في البداية؛ للأسف الحرية ارتبطت في المجتمعات العربية والخليجية وبشكل عام ومجتمعنا بشكل خاص بالانفلات. فتفسر الحرية عندنا بأنها (الحرية من المسؤوليات والقيود)، وهذا الأمر خاطئ ونظرة صبيانية قاصرة تدل على أن من يطلب الحرية لهذه الأسباب لا يزال في مراهقة التفكير...


أما من يتخوف من الحرية فالخوف ناتج من أمرين:
أولا - غياب الوعي
وثانيا - غياب الرادع

غياب الوعي .. وهو غياب الإدراك عند الطرفين (سواء مؤيد أو معارض) بالمسؤوليات المترتبة على الحرية و غياب الوعي باستخدامها وحدودها..
ومن هنا جاء ربطها بالإنفلات والإستهتار.
وغياب الرادع .. الذي هو القانون و العقوبات المترتبة على إساءة استخدام الحرية أوالتعدي على حرية الآخرين والتجاوزات التي قد تحصل..


والخوف هنا مُبرَر لأن الكل يعرف أنه لا يوجد قانون واضح وصريح بخصوص المتجاوزين من الأقرباء أوالغرباء..

وأنها كلها تعتمد على أمزجة القضاة وفهمهم لنصوص الشريعة التي لم ولن تسمح بالانتهاكات والمسلسلات التي صرنا نطالعها يوميا في وسائل التواصل الاجتماعي.

إن من يرى في الحرية خلاصاً من المسؤولية، و انفلاتا عشوائياً لرغباته ، لا تجعل منه إلا حيواناً لن تقومه وتروضه إلا القوانين الصارمة.
وحرية المرأة على رأس مخاوف المجتمع، ورأينا من يرغي ويزبد أنه سيغتصب أي إمرأة بعد قرار تنظيم الهيئة و الإيذاء مع سبق الإصرار والترصد.

ولست أدري حقيقة، هل الإضرار بالمرأة انتصارا للدين أم للتقاليد والعرف التي لم نجني منها سوى تأخرنا.. ولماذا لا يجرؤ أمثال هؤلاء على القيام بهذه التصرفات في دول أوروبا وأمريكا؟

الإجابة باختصار في هذه الصورة ..




حينما تُبتعث لطلب العلم وتشرف دولتك وعائلتك ..لكنك تحمل ثقافة (الرجل شايل عيبه بجيبه)، حينها ستظن أن كل النساء شرقا وغربا ملك يمينك ..

لما تجرأ هذا الشاب على طلب صور جنسية من مراهقة قاصر وتهديدها بنشرها.. ألقت السلطات القبض عليه و تم نشر الخبر مرفقا مع صورة الشاب في الصحف الأمريكية وأقوال القاضي والحكم .. والجزاء من جنس العمل.

عاد يحمل خزيا وعارا لا يتسع جيبه على حمله!

ولو نظرنا للحال في مجتمعنا .. فإن إساءة الأدب تأتي نتيجة الأمن من العقوبة .. وكون العقوبة لم تطالك حتى الآن لا يعني هذا أنك على صواب!

أما من يتبجحون بأن المرأة لم تخشى الله في خروجها من بيتها، فهل يعني هذا أن الله كلَّفك بها أو جَعل لك سبيلا عليها؟

أعزائي، يمتاز الدين الإسلامي بأن الله لم يجعل بينه وبين عبده وسيط ( كالحال عند النصارى مثلا) .. فالمسلم يدعو الله متى شاء وكيفما شاء وعلى أية حال ..

ومشكلة المجتمع أن الجميع ينصب نفسه وسيط الله في أرضه وبينه وبين عباده دون احترام للحرية والحدود الشخصية طالما أنها لم تتعدى على أحد!..

حينما يخطئ الآخر "غيرنا" فهو فاسق فاجر مستباح الكرامة ومهان .. لكن حينما نخطئ نحن فإننا نلتمس العفو و التعاطف و الله غفور رحيم!

ونردد على مسمع العالم أجمع أننا خير أمة أخرجت للناس وأن ديننا أفضل الأديان .. ثم نتمنى الهجرة لـ"ديار الكفر" هرباً من تسلط المجتمع وكبته.

وربما حادثة الرجل الذي جلس مع زوجته في المطعم و غطاها بشماغ ليست ببعيدة عنا !
فبأي حق يسمح المصور لنفسه بالتعدي على حرية الرجل طالما أنه لم يضر أحدا ولم تشتكِ زوجته ولم تستنجد بأحد !؟ 
ونبقى بعدها نردد بأننا مجتمع ذو خصوصية !
بينما في الواقع أن خصوصيتنا منتهكة بواسطة أدعياء الخصوصية ! 
فخرج الرجل من المطعم ليجد نفسه على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي و مطالب بتبرير فعلته !

يذكر الله سبحانه وتعالى في آية الحجاب ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ).

قال: أدنى أن يعرفن فلا يؤذين..ولم يقل حتى لا يعرفن ولا يؤذين.. لكن - وللأسف - يبقى عقل الرجل مبرمجاً بشهوته..

ولهذا نجد شبابنا يلهثون ويتسابقون على عاهرات وبائعات اللحم الرخيص .. ويملؤون الصفحات بالتعليقات والتوسل والرجاء .. حتى لو ردت عليه بكلمة.. اعتبر نفسه منتصرا على أقرانه!
ويخشى المرأة التي عليها نفسها وسلاحها عقلها .. المرأة المحترمة الواعية المستقلة ويخاف على عرشه منها .. لأنه يعلم أنه ضئيل أمامها ولا يجاريها .. وربما انقلبت موازينه وقذفها أو شتمها!

الحرية غالية . ويجب أن لا تمنح إلا ذوي الأهلية..
والقصص علمتنا أن الدين في مجتمعنا أصبح تجارة مربحة!

ليس كل ملتحٍ شخص متزن ، وليست كل امرأة غطت وجهها و ارتدت قفازاً امرأة عفيفة!
وبرامج مثل السناب شات والكيك تعج بالأمثلة .. محجبات ومنقبات يتراقصن ويعرضن أجسادهن للمتابعين.. و طلاب علم و رجال يوسمون بالدين يضطهدون أبناءهم وزوجاتهم.

لست ممن يطبلون لا لليمين ولا لليسار.. ولا آبه لقيادة السيارة أو الجلوس في السينما .. رغم أني أحبذ أن تبقى كخيارات متاحة ومفتوحة..

الحرية التي تحتاجها المرأة هي استقلاليتها في شؤونها واختياراتها التي كفلها الشرع و طمستها التقاليد..

فالمحاكم تمتلئ بالأزواج المماطلين و الآباء المختلين والأخوة الشاذين.. وتُتهم المرأة بعد ذلك بأنها السبب في تطرفهم!

فكم من مسكينة ظُلمت بأن زوجوها أهلها بمستهتر أخرق على أمل أن (يعقل) ويتزن بعد الزواج..
وكم من أم وأطفال يعانون التعنيف والتعذيب على يد زوج/ أب مدمن أو مريض.. دون قانون يستظلون به ليحميهم من تمادي الجنون.

وقد طالع الجميع قبل فترة قضية المرأة التي أرغمت على الانفصال عن زوجها بحجة عدم تكافئ النسب!!
أي حق يمنح قبيلة بإقتحام أدق خصوصياتها ! فالمرأة راضية بزوجها كما هو، ووليها الذي زَوَّ
جَها - أخوها - راضٍ به كرجل !!؟
القبيلة التي تقطع رحمها والوصل بينها لسنوات .. لم تتفق وتجتمع إلا على خراب حياة مطمئنة !

يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم (تنكح المرأة لأربع: لمالها, ولجمالها, ولحسبها, ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)
فهذه كمال صفات المرأة لمن يبحث عن زوجة ..

أما في الرجل فقال عليه الصلاة والسلام ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)..
والأخلاق إذا اجتمعت مع الدين كان كمال أخلاق الرجل .. فلم يذكر لا حسب ولا جمال ولا مال .. وإنما تأتي ككماليات مستحبه.

لا تُمنح الحرية لرجل مستهتر عديم المسؤولية يرى الحرية هي صخب الأغاني في السيارة أو مس كل طيف أسود يمر بقربه أو الخروج بمظهر مبهرج..
ولا لامرأة تقتصر الحرية في نظرتها على حرية اللباس والدخول والخروج والتراقص في الأماكن العامة..
الحرية لا تُمنح لمن تفكيره بين السرة والركبة ولا لمرضى السادية ومجانين العظمة والأنا.

حريتك تتوقف حيث تبدأ حرية الآخرين.. 
مقوله الكل يعرفها وقليل يفهمها ويطبقها ..
فكيف نطالب بتوسع الحريات في العالم العربي والخليجي إذا كنا لا نحسن استخدام الحرية البسيطة المتوفرة لنا !؟
حريتك البسيطة التي تطالب بفتح المجال أمامها لم يسلم منها عامل نظافة مسالم أو حيوان ضعيف، فكيف لو منحت حرية أكبر!

والبعض يطلب حرية التعبير..
ويحلو له تقمص الشخصية الثورية الغاضبة التي تريد إصلاح الدولة، وهم لا يعرفون كيف يصلحون أمور عملهم ودراستهم وبيوتهم!
وبعضهم حديث عهد بالانفتاح الثقافي والمعلوماتي.. فترده الصدمة عن دينه و أخلاقه وربما المنطق أيضا.

يقال في الغرب live and let live .. بمعنى عش و دع الآخرين يعيشون..
فهم تحت رحمة الخالق و مظلة الحرية الشخصية باسم القانون، وأنت لست عليهم بوكيل.. اصلح نفسك واجتهد بإدخالها الجنة، قبل أن تدخل الآخرين النار.
وحتى الأمر بالمعروف والنهي ع المنكر لا يمنحك الحق بالتشهير و الشتم وجمع الناس لمتابعة مشهد تريد أن تؤدي دور البطولة فيه ..

لما جاء قرار تنظيم عمل الهيئة.. كان ذلك نتيجة اسراف رجال الهيئة في التجاوزات .. فحينما يعلن مدمن أو مفحط أو شاذ أومن شابه توبته.. فإنه يُرحب به ويُضم إلى فريق الهيئة بحجة أنه أدرى وأعرف بأماكن تجمع المدمنين أو المفحطين وأعلم بالشواذ .. فيستغل التائب موقعه وصلاحياته للانتقام الشخصي أو التشفي.. حتى عمت الفوضى الجهاز كله.

وبرأيي المتواضع .. أرى أن يتم فتح معاهد متخصصة لتخريج رجال هيئة مؤهلين ذوو علم بأساليب النصح والدعوة والحقوق العامة والخاصة.

وفي كل موضوع يطالبك أبناء مجتمعنا بعدم شخصنة النقاش (أي أخذه بشكل شخصي)، إلا الدين و القبيلة.. فإننا نجسدها في شخوص .. حتى إذا انتقدت هذا الشخص ، درعم عليك المتزمتين والمتخلفين من كل حدب!
فمن يشخصن الدين في أشخاص كمن يعطيهم النزاهة والحصانة الإلهية التي لم تمنح إلا للأنبياء .. فلا يحق لك مناقشتهم في تصريحاتهم وفتاويهم وإلا فأنت خارج عن الملة !
أما من يقدح زناده عليك تفاخرا بقبيلته ليضعها "تاجا" على رأسك.. فهو كمن يتفاخر بأن لديه ذراعين وساقين .. أمر اكتسبه بالولادة ولا ناقة له فيه ولا جمل ..وكيف يحتفي ويفتخر الإنسان بأمر مسير فيه وليس مخير، ونتيجة صدفة محضة..
 وبينما هم يناقشون أمجاد ماضيهم .. غيرهم يرسم ويخطط لتغيير مستقبل البشرية.


قال تعالى : ( ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر).. من التفاسير الكثيرة لهذه الآيات تزورون قبور أسلافكم لتعدوها وتكاثروا نسبكم .. منكم من له ثلاث أجداد مقبورين ومنهم أربع ومنهم خمس.. ويفسرها قتادة ( يقولون نحن أكثر من بني فلان، ونحن أعدُّ من بني فلان.. ويتساقطون موتى كل يوم ) فيتفاخرون بكثر موتاهم وطول نسبهم.
ولعلها من العنصرية المقيتة أن تنسب التصرفات السيئة والسمعة السيئة لغير القبليين وكأن أبناء القبائل أحرار حتى في أخطاءهم .. وتصرفاتهم السيئة مبررة مسبقا.


في النهاية..
الموضوع كما أسلفت متشعب وعميق.. ويحلو للأكثريه العزف على أوتاره.
وما ذكرته هو رأيي ووجه نظري .. لكم حرية قبولها ورفضها.

You May Also Like

2 التعليقات

  1. صفقة قوية 👏🏼👏🏼👏🏼❤️
    صراحة م ح اقول شيء زيادة لأَنِّي اتنرفز سريع 😂😩😩 مرا مني حقت نقاش العقليات اللي ف مجتمعنا شيء يحزن و بس الله يغيرنا للافضل
    م تتصوري قد ايش استمتعت اقرأ و حبيت بالأخص اختيارك للغتنا الفصحى ❤️
    من هنا للافضل ي راقية

    ردحذف
    الردود
    1. يسعد قلبك حبيبتي..
      فعلا بعض العقليات النقاش معها عقيم و كأنك تدور في حلقة مفرغة ..
      منورتني حبيبتي.

      حذف